بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمدلله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعداءهم من الأن وحتى قيام يوم الدين وبعد .....
يقول الله سبحانه و تعالى في محكم كتابه العزيز / ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) وقال تعالى ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ، من هاتين الايتين نبدأ بحثنا من حيث المراد من وجه الله سبحانه وتعالى حيث هاتين الايتين وغيرهما من الايات الكريمة قد أشارت "الى وجه الله" ،فما هو المراد من وجه الله سبحانه وتعالى علماً إن هنالك عدة روايات وتفاسير تدل على إن وجه الله هم المعصومين من أهل البيت عليهم السلام وكذلك الأنبياء
أولاً وقبل التطرق للمعاني المُشار إليها في الأيات الكريمة نُورد بعض المعاني لمعنى ( الوجه ) في اللغة .
ان الوجه في اللغة ينقسم الى عدة أقسام :
الوجه : وهو المعروف المركب به عينان سواء من حيوان ناطق أو غيره ( والمقصودبالحيوان الناطق هو الانسان )
الوجه : هو أول الشيء وصدرهبدليل قوله تعالى ( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْبِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْآخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ( أي أول النهار
وكماقال الشاعر:
من كان مسروراً بمقتل مالك ××× فليأت نسوتنا بوجه النهار /أي غداة كل يوم
الوجه : القصد بالفعل بدليل قوله تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُدِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله)
الوجه : القدر والمنزلة ،يقال فلان أوجه من فلان أي أعظم
الوجه : الرئيس المنظور اليه يقال وجه القوم وهو وجه عشيرته ووجه الشيء نفسه وذاته .وبعد هذه التعاريف للوجه ، نعرف المراد بالوجه كما ورد في بعض الأيات الكريمة إذ اننا لا نستطيع او لايصح ان نضيف هذه الصفة لله على وجه الحقيقة وخصوصا بعدما عرفنا ان للوجه عدة معاني ..
فليس لله سبحانه وتعالى تجسيم ، ولاتشبيه ، ولايُدركه وصف واصف
في حقيقة وجه الله سبحانه وتعالى :
يقول الله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ، والوجه كما تقدم بمعني المُشير والمُظهر لذات الموجود .
فوجه الإنسان مثلاً هو أفضل وأرقي عضو فيه، وهو المظهر له، والمشير إليه ،ونحن عندما نرغب بمخاطبة إنسان ما إنما نتوجه إليه من خلال مايُشير لذاته ، والوجه هو الجزأ والذي يُميز اي شخص منا عن أخر … على إختلاف تعددهم
بينما الله سبحانه - منزه عن الجسمانية – ليس له وجه بالمفهوم الظاهر ، إنما يُعبر بالوجه عن مايُشير ويدلل على ذات الله سبحانه ومن خلال هذه الإشارات والمدلولات فإننا نتوجه لله سبحانه وتعالى.
وقد تقدم في تفسير الميزان في قوله : «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ » وجه الشيء ما يستقبل به غيره و يقصده به غيره، و هو فيه سبحانه صفاته الكريمة التي تتوسط بينه و بين خلقه فتنزل بها عليهم البركات من خلق و تدبير كالعلم و القدرة و السمع و البصر و الرحمة و المغفرة و الرزق
و على تقدير أن يراد بالوجه ما يقصده به غيره و مصداقه كل ما ينتسب إليه تعالى فيكون مقصودا بنحو للمتوجه إليه كأنبيائه و أوليائه و دينه و ثوابه و قربه و سائر ما هو من هذا القبيل .
و في تفسير القمي : في قوله تعالى: «و يبقى وجه ربك» قال: دين ربك، و قال علي بن الحسين (عليهما السلام): نحن الوجه الذي يؤتى الله منه.
و في مناقب ابن شهرآشوب: قوله: «و يبقى وجه ربك» قال الصادق (عليه السلام): نحن وجه الله.
معنى وجه الله : ذات الشيء وعينه، وهو معنىً يحتمل أبعاد الكناية، لأن المعنى الأصلي للوجه هو مقدم الرأس المحدود ما بين الاذنين عرضاً، وما بين قصاص الشعر وطرف الذقن طولاً، ولما كان وجه الإنسان مثلاً في الرأس موقعاً صح إطلاق كلمة الوجه على جميع الذات.
إذاً من خلال المعنى الأولى لكلمة وجه يكون معنى الآية هو ـ وتبقى ذات ربّك ذو الجلال والإكرام ـ وان ما سواه تعالى فمصيره الموت والفناء.
# المعنى الوصفي، وهو ما يتوجّه إليه.
أي ان كل واسطة تلفت النظر إلى أصل الشيء تسمى وجهاً، والأمثلة على ذلك تستدعي الوهم والضلال، ولكننا نضطر إلى سوق الأمثلة للوصول إلى الوضوح في هذا الأمر.
فلو رام أحدنا أن ينظر إلى قرص الشمس في يوم تكون فيه السماء صافية لما استطاع ان ينظر إليها مباشرة لأنه لا يتمالك ان يغمض عينيه لشدة توهّجها،ولكن لو نظر على صفحة الماء الساكن لتمكن من مشاهدة صور قرص الشمس دون أن يضطر إلى إغماض عينيه، وهذا ما نسمّيه بالنظر إلى الشيء من خلال الواسطة، فقد أصبحت صفحة الماء وجهاً لقرص الشمس.
وعليه يكون معنى الوجه هو ما يتوجه إلى الشيء من خلاله فيتم التعرّف عليه
وتجدر الإشارة الا إنّ أحد الالقاب المباركة لبقيّة الله تعالي: محمّد بن الحسن العسكريّ عجّل الله تعالي فرجه هو وجه الله، حيث نقرأ في زيارته عليه السلام:السَّلاَمُ علی وَجْهِ اللَهِ الْمُتَلَقِّبِ بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ ،ونقرأ في دعاء الندبة: أَيْنَ وَجْهُ اللَهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الاْوْلِيَاءُ؟
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (مَن زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَهِ، فَلاَ تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَلاَ تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ، تَعَالَي اللَهُ عَمَّا يَصِفَهُ الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَوَجْهُ اللَهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ) .
ومن خلال كل ماورد يتوضح لنا إن وجه الله ليس تجسيم خاص به وإنما هي مايُقصد لتوجه إليه سبحانه .. ولذلك جهات متعددة ، وأن وجه الله موجود في جميع الجهات ، وهذا يستدعي تعدد الوجوه وكثرتها بعدد الجهات التي يمكن التوجه إليها ..
وفي حقيقة الأمر إن العقول تبقى عاجزة ودون القدرة والاستطاعة على فهم وادراك حقيقة عظمة الله (تعالى) وأسمائه وصفاته، ولكننا نجد أنفسنا مضطرين لأجل استحصال الإيمان واليقين بالله (جل جلاله) ان نتمسك بالأنوار القدسية للمعصومين الأربعة (ع) كما تشير إلى هذه الحقيقة الناصعة، عبارة وردت في الزيارة الجامعة نقول (من أراد الله بدأبكم)، وما أكدّوه أهل البيت (ع) في قولهم (بنا عُرف الله، وبنا عُبد الله)
والنص الوارد أيضاً في دعاء الندبة الذي يشير إلى هذه الحقيقة كذلك (أين وجه الله الذي يتوجّه إليه الأولياء).
وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) في تفسير قوله تعالى (ويبقى وجه ربّك)، أنه قال: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه .
إذاً مما لا شك فيه أن أهل بيت العصمة والطهارة لهم وجهة إلهية، لأن من أراد أن يوّحد الله ويؤمن به وجبت عليه معرفتهم، ولأن من أحبهم أحبّه الله، ولأنهم أبواب الله الذين أكدّت على حقيقتهم آية (وأتوا البيوت من أبوابها).
وأشارت إلى ذلك العبارة الواردة في دعاء ندبة والتي تقول (أين باب الله الذي منه يؤتى)، وقد أفرد صاحب كتاب بحار الأنوار باباً لموضوع وجه الله اشتمل على روايات عديدة بهذا الصدد
أهل البيت هم وجه الله .
اهل البيت هم وجه الله عند الإستناد لمعنى الوجه وهو ما يتوجه إليه، فانه ما لا شك فيه أن المقصود بوجه الله هم محمد وآله (ص)، وعلى هذا الأساس يكون معنى الآية الكريمة (كل ما على الأرض فانٍ ويبقى محمد وآله (ع)).
ونقرأ في حديث للإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية: (تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام) أنّه قال: ((نحن جلال الله وكرامته التي أكرم العباد بطاعتنا )).
ومن الواضح أنّ أهل البيت(عليهم السلام) لا يدعون لغير الله، ولايأمرون بغير طاعته وهم هداة الطريق إليه، وسفن النجاة في بحر الحياة المتلاطم.
وبناءً على هذا، فإنّهم يمثّلون مصاديق جلال الله وإكرامه، لأنّ الله تعالى قد شمل الناس بنعمة الهداية بواسطة أوليائه.
فهم (عليهم السلام) أرقى مصاديق الوجه المعنوي لله سبحانه وتعالى.
فمن توجه إليهم فقد توجه إلى الله ومن أعرض عنهم فقد أعرض عن الله العلي العظيم.
نسأل الله أن يُثبتنا وإياكم على ولاية آل بيت محمدٍ عليهم السلام ، ويرزقنا شفاعتهم في الدنيا والأخرة إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وصلى اللهم على محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين .